حازم وتريكة

في منتصف التسعينات وأثناء إحدى الأزمات التي تتكرر إلى الآن بين الأندية والتليفزيون، كان كثيرون يلتفون حول إذاعة الشباب والرياضة للاستماع إلى تفاصيل أحد لقاءات الدوري الممتاز، وإذ بالمذيع يصرخ "حرام .. والله حرام .. كيف لا تذاع مباراة يشارك فيها هذا اللاعب؟"

كان يقصد حينها لاعب خفيف الحركة، مبهر المهارات اسمه حازم إمام سيتحول فيما بعد إلى رمز لنادي الزمالك مثل والده وجده.

وبعد سنوات، كان آخر يصرخ أيضا "بوتريكة، بوتريكة، بوتريكة، يعمل لك مزيكا ... والفراعنة هم الأبطال".

وما بين بداية حازم إمام وآخر إنجازات محمد أبو تريكة تغنى كثيرون بمهارات وأخلاقيات وإنجازات النجمين.

ولأن كل منهما ينتمي إلى أحد القطبين، ولأن جماهير الأهلي والزمالك – مثل أي غريمين في العالم – لا يستطيعا الحياة من دون اختلاف يتراوح بين المداعبات الخفيفة والتعصب الأعمى، فقد تحول اللاعبان إلى مادة ثرية للمقارنة بل "والمعايرة" في بعض الأحيان.

حازم أم أبو تريكة؟

يتمسك كثيرون بعقد تلك المقارنة في كل وقت ومكان تتاح فيه الفرصة. وتماشيا مع ذلك الإصرار الذي اشتد مع إعلان الأول اعتزاله، فلنعقد المقارنة الآن.

ولكنها مقارنة مختلفة بعض الشئ عما اعتاد الجمهور عقده. مقارنة لا يوضع فيها كل لاعب في كفة، ولكنهما يتربعان في كفة واحدة وأمامهما ما تشاء من لاعبين في الكفة الأخرى من الميزان.

ربما لن يرضي ذلك غرور مجاذيب هذا ومهاويس ذاك .. ولكن الحقيقة تقول إن القواسم المشتركة بين حازم وتريكة أكبر كثيرا من عوامل الاختلاف التي كتبت فيها صفحات تحاول ترجيح أحدهما على الآخر.
اللاعبان يمتلكان مهارات استثنائية، إنجازات وألقاب عديدة، سلوكيات شخصية يشاد بها في كل مناسبة، والأهم من ذلك إجماع جماهير الأهلي والزمالك على حبهما .. أو على الأقل احترامهما.

إذن فالسؤال الصحيح ليس حازم أم أبو تريكة .. السؤال الصحيح هو لماذا لا يوجد سوى اثنين فقط في قيمة وقامة حازم وأبو تريكة؟

تمتلك مصر لاعبين أصحاب مهارات عالية، وكثيرا من المهذبين وأصحاب السلوكيات العالية، وآخرين حققوا بطولات وإنجازات كبرى مع المنتخبات والأندية .. إذن أين هم من حازم وأبو تريكة؟

هذا هو السؤال الذي يبحث عن إجابة والمقارنة التي يجب أن تعقد حتى لا تبدأ الرموز الكروية أيضا في الاختفاء، بعدما أصبحت الرموز المصرية في الأدب والعلوم والسياسة في سبيلها إلى الانقراض.

حينما نمتلك قيمتين رياضيتين كبيرتين مثل حازم وأبو تريكة لا يصح أن نهدر سيرتهما في صراع ديوك لن يفيد أحدا لأن الأهلوية سيظلون عند عشقهم في تريكة والزملكاوية سيظلون يهيمون حبا في حازم.

وبالمناسبة، ساعدني الحظ في أن تجمعني جلسة بحازم وأخرى بأبو تريكة تطرق فيهما الحديث عن المقارنة بينهما. وكان ردهما متشابها إلى حد التطابق: "ولماذا لا يكون هناك حازم وأبو تريكة معا؟"

وأضيف على النجمين "ولماذا لا يكون هناك حازم وأبو تريكة وآخرون" .. نحن في أمس الحاجة إلى آخرين من هذا النوع.